دروس وعبر من هجرة خير البشر
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله ومن والاه وبعد..
تعيش الأمة الاسلامية هذه الأيام إشراقة سنة هجرية جديدة وإطلالة عام مبارك بإذن الله ،فقد مضى عام كامل بأفراحه وأتراحه، فالله المستعان عباد الله، ما لا شك أن دروس الهجرة لا تحصى ولا تعد، ومن المستحيل أن نحيط بها كلها، ولكن أشير هنا إلى بعض تلك الدروس عسى الله عز وجل أن ينفعنا بها، ومنها الأخذ بالأسباب، وبث روح الأمل، والحرص على الصحبة الصالحة، والدعوة إلى الله في جميع الظروف، وغيرها الكثير من الدروس والعبر. أخوة الإسلام، حديث المناسبة في مطلع كل عام هجري ما سطّره تأريخنا الإسلامي المجيد من أحداث عظيمة، ووقائع جسيمة لها مكانتها الإسلامية ولها آثارها البليغة في عزِّ هذه الأمة وقوتها وصلاح شريعتها لكل زمان ومكان وسعيها في تحقيق مصالح العباد في أمور المعاش والمعاد.
-تنبيه العاقلين بأن العاقبة للتقوى وللمتقين:
فالذي ينظر في الهجرة بادئ الرأي يظن أن الدعوة إلى زوال واضمحلال.
ولكن الهجرة في حقيقتها تعطي درساً واضحاً في أن العاقبة للتقوى وللمتقين. فالنبي يعلّم بسيرته المجاهد الحق أن يثبت في وجه أشياع الباطل، ولا يهن في دفاعهم وتقويم عوجهم، ولا يهوله أن تقبل الأيام عليهم، فيشتد بأسهم، ويجلبوا بخيلهم ورجالهم؛ فقد يكون للباطل جولة، ولأشياعه صولة، أما العاقبة فإنما هي للذين صبروا والذين هم مصلحون*-
ثبات أهل الإيمان في المواقف الحرجة: ذلك في جواب النبي لسيدنا أبي بكر لمّا كان في الغار.
وذلك لما قال أبو بكر: والله يا رسول الله لو أن أحدهم نظر إلى موقع قدمه لأبصرنا. *
فأجابه النبي مطمئناً له (ما ظنّك باثنين الله ثالثهما .)
فهذا مثل من أمثلة الصدق والثبات، والثقة بالله، والإتكال عليه عند الشدائد، واليقين بأن الله لن يتخلى عنه في تلك الساعات الحرجة.
هذه حال أهل الإيمان، بخلاف أهل الكذب والنفاق؛ فهم سرعان ما يتهاونون عند المخاوف وينهارون عند الشدائد، ثم لا يجدون لهم من دون الله ولياً ولا نصيراً.
- أن من حفظ الله حفظه الله:
ويؤخذ هذا المعنى من حال النبي لما ائتمر به زعماء قريش ليعتقلوه، أو يقتلوه، أو يخرجوه، فأنجاه الله منهم بعد أن حثا في وجوههم التراب، وخرج من بينهم سليماً معافى.
وهذه سنة ماضية، فمن حفظ الله حفظه الله، وأعظم ما يحفظ به أن يحفظ في دينه، وهذا الحفظ شامل لحفظ البدن، وليس بالضرورة أن يعصم الإنسان؛ فلا يخلص إليه البتة؛ فقد يصاب لترفع درجاته، وتقال عثراته، ولكن الشأن كل الشأن في حفظ الدين والدعوة. - أن النصر مع الصبر:
فقد كان هيناً على الله عز وجل أن يصرف الأذى عن النبي جملة، ولكنها سنة الإبتلاء يؤخذ بها النبي الأكرم؛ ليستبين صبره، ويعظم عند الله أجره، وليعلم دعاة الإصلاح كيف يقتحمون الشدائد، ويصبرون على ما يلاقون من الأذى صغيراً كان أم كبيراً.
،:الحاجة إلىا، لحلم وملاقاة الإساءة بالإحسان
فلقد كان النبي يلقى في مكة قبل الهجرة من الطغاة أذىً كثيراً، فيضرب عنها صفحاً أو عفواً، ولما عاد إلى مكة فاتحاً ظافراً عفا وصفح عمن أذاه.
- إنتشار الإسلام وقوته:
وهذه من فوائد الهجرة، وكان أهل الحق في بلاء شديد؛ فجاءت الهجرة ورفعت صوت الحق على صخب الباطل، وخلصت أهل الحق من ذلك الجائر، وأورثتهم حياة عزيزة ومقاماً كريماً.
- أن من ترك شيئاً لله عوّضه الله خيراً منه:
فلما ترك المهاجرون ديارهم، وأهليهم، وأموالهم التي هي أحب شيء إليهم، لما تركوا ذلك كله لله، عوضهم الله بأن فتح عليهم الدنيا، وملّكهم شرقها وغربها.
عظم دور المرأة:
ويتجلى ذلك من خلال الدور الذي قامت بها السيدة عائشة وأختها السيدة أسماء رضي الله عنهما حيث كانتا نعم الناصر والمعين في أمر الهجرة؛ فلم يخذلا أباهما أبا بكر مع علمهما بخطر المغامرة، ولم يفشيا سرّ الرحلة لأحد، ولم يتوانيا في تجهيز الراحلة تجهيزاً كاملاً، إلى غير ذلك مما قامتا به. • أيها الأخوة والأخوات، وفي موقف أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها ورضي الله عن آل أبي بكر وأرضاهم ما يجلِّ دور المرأة المسلمة في خدمتها لدينها ودعوتها؛ فأين هذا من تبحث عن سعادة موهومة وتقدميّة مزعومة لتظنها في الأسواق والشوارع والملاهي والمصانع، فرجعت مسلوبة الشرف مدنسة العرض مغتصبة الحقوق عديمة الحياء موءودة الغيْرَة، وتلك صورة من صور إنسانيات العصر المزعومة وحريته ومدنيته المدعاة، ألا فليعلم ذلك اللاهثون واللاهثات وراء السراب الخادع والسائرون خلف الأوهام الكاذبة.
- عظم دور الشباب في نصرة الحق:
ويتجلى ذلك في الدور الذي قام به سيدناعلي بن أبي طالب حين نام في فراش النبي ليلة الهجرة.
ويتجلى من خلال ما قام به عبدالله بن أبي بكر؛ حيث كان يستمع أخبار قريش، ويزود بها النبي وأبا بكر.
- حصول الأخوة وذوبان العصبيات.
هذه بعض الدروس والفوائد من الهجرة في سبيل الإجمال.
كم نحن في حاجة للاستفادة من الهجرة ،وكم نحن في أمس الحاجة للهجرة إلى الله بالبعد عما حرم الله ،رزقني الله وإياكم محبته ورضاه ،والبعد عن معاصيه ونواهيه...
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
خادم القرآن الكريم
حسن عبد المنعم أحمد حسين
إمام وخطيب مسجد آل عبد الجواد بطما