يستحب تقديم الأكل على فعل الفريضة
يستحب تقديم الأكل على فعل الفريضة في الغدو والاصال إذا كانت نفسه تشوق إلى الطعام هذا إذا لم يخش فوات الفريضة فإن خشي فواتها بأن ضاق وقتها وجب تقديمها ويستحب تقديم الصلاة على الأكل في الاولى ويجب في الثانية وكذلك يستحب تقديم سنتها على الأكل إذا خشي فوات الوقت ويستحب الأكل مع الزوجة والمملوك والأطفال.
في سُنَة المُصطُفى لِقَطِ اللِبابِ أتى **دِع التَكبُر وَالقِط لَقطَ مُبتَهِلِ
إن الغَبيَ الَّذي في عَقلِهِ دَخلٍ ** يَرى الفَنا بِلَقَط اللَقَط وَالخَولِ
وَقَد رَووا أن مَهرَ الحِسانِ غَذا ** فَكيفَ تَترُكهُ يا واضِحَ الخَبَلِ
لقط اللباب الساقط حول الآن مستحب لقوله صلى الله عليه وسلم: «إذا وقعت اللقمة من ...» وهذا إذا كان المحل طاهرا فان سقطت على مكان متنجس حرم أكلها قبل الغسل والغبي الجاهل والخول الخدم والفنا الاستفنا واصل الخبل القطع ومن قول الشاعر ابنى سلما لستما بيده إلا يدا مخبولة العضد.
أي مقطوعة العضد ولما كان المجنون مقطوع العقل سمي مخبولا قال بعضهم ترك لقط اللباب يورث الفقر
في ضِمنِ لَحَسِ الإِنا عَفوٍ ومَغفِرَةٍ ** فَكيفَ يَترُكُها فَاسِن مِنَ السُبُلِ
وفي الحديث «القصعة تستغفر للاعقها» والسر فيه أن لحس الأناء تواضع وفي تركه تكبر ثم الاستغفار من الانا يحتمل أن يكون حقيقة كما أنه يسبح الله تعالى ويحتمل أن يكون المراد أن يكتب للاحسه أجر مستغفر مدة لحسه للأناء وذكر بعضهم أن الاناء لا يزال يستغفر لماسحه حتى ينزله طعام آخر
وَلا تَكُن آكلاً قوتاً عَلى شَبَعٍ ** فَأصلُ كُلِ داءٍ مِن ذاكَ مُتَصِلُ
وَلا تُكن آكلاً وَالعَينُ ناظِرَةً ** إنَّ البَلاءَ مِنَ العَينَينِ مُنفَصِلُ
وَالأكلُ في السوقِ مَنقولٌ كَراهَتُهُ ** قالوا وَفاعِلُهُ يَنحَطُ في السُفَلِ
وَوَجهُ تَحريمِهِ قَد قيلَ ثالِثُها ** بَعدَ التَحَمُلِ فاحفَظ ثِقَلَ ذي فَضلِ
لا بَأسَ بِالشُربِ فيما سامَحوكَ بِهِ ** وَفي خُروجِ قِطَعِ العَكوفِ جَلى
أكل القوت على الشبع هو البردة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أصل كل داء البردة» سميت بردة لأنها تبرد المعدة عن الهضم فيتولد من الطعام بلاغم وفضلات مضرة لعدم نضجها بسبب برودة المعدة قال صلى الله عليه وسلم: «ما ملأ ابن آدم وعاءا شرا من بطنه» وقال بعضهم البطنة تذهب الفطنة ويكره الأكل بحضرة من ينظر إلى الطعام إذا كان يشتهيه ولو كان قطا أو كلبا لأنه يقال أنه ينفصل من عينه سموم تركب الطعام لآدواء لها إلا بان يلقى إليه بشيء من ذلك الطعام أعني للناظر غليه ويكره الأكل في السوق لقوله صلى الله عليه وسلم: «الأكل في السوق دناة» وقيل هو حرام وقيل إن كان قد تحمل شهادة حرم عليه وإلا فلا والفرق أنه إذا تحمل ثم أكل في السوق انحط مع السفل وسقطت شهادته وضاع حق من استشهده ولا بأس بالشرب في السوق لنقص زمنه ولا يجوز للمعتكف الخروج للشرب ويجوز الخروج للأكل.
وفي الصَحيحِ نَهى عَن شُربِ قائِمِنا ** وَبِاستِقأة ناسي النَهي في نَهَلِ
فَبَعضُهُم قالَ عَم النَهيُ فاعِلُهُ ** وَبَعضُهُم خَصَّهُ بِالسَيرِ لِلعَجَلِ
قالوا وَفي خَبرٍ قَد صَحَ عَن أَنسٍ ** لِحاقُ أَكلٍ بِشربٍ فالقِيامُ زَلىء
قالَ الَنواوي وَالمُختارُ عِندَهُمُوا ** طَلقُ الإباحَةِ عَن أخبارِنا الأُولى
أَظنُهُم فَهِموا الإرشادَ ما فَهِموا ** كَراهَةَ الدَني خُذوا الفَهمَ مِن قَبلي
جاء في الصحيح النهي عن الشرب قائما وأمر من نسي فشرب قائما بالاستقأة واختلفوا في النهي فقيل هو عام في كل أحد وقال ابن قتيبة والمتولي هو مخصوص بحالة السير لأجل العجالة وعدم التأني فيه أما إذا شرب وهو واقف فلا كراهة وأمره صلى الله عليه وسلم الشارب قائما باستقأة ما شرب يدل على أن فيه ضرر من جهة الطب فالكراهة ارداشية والنهي ارشادي أي راجع لمصلحة دنيوية لا إلى مصلحة دينية أي ترجع إلى مصلحة الدنيا لحفظ البدن لا كراهة شرعية ترد لمصلحة الدين فأما الأكل قائما وماشيا فقال أنس رضي الله عنه هو أبشع من الشرب قائما وكرهه قال النووي وكذا الغزالي رحمهما الله والمختار الابحاة لقول ابن عمر رضي الله عنهما كنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم نأكل ونحن نمشي ونشرب ونحن قيام قال الغزالي رحمه الله الجمع بينهما أن الاكل في السوق تواضع وترك تكلف من بعض الناس فهو حسن من بعض الناس وخرق مرؤة من بعضهم فهو مكروه وبهذا ظهر أنهم فهموا أن الكراهة ارشادية لا دينية في الأكل والشرب معا.
مُشمِسِ الماء فيهِ النَهيُ مُحتَمَلُ ** وَنَصُّهُ يَعضُدُ الإرشادَ فامتَثِلِ
وَإِن يَطبُخوا زالَت كَراهَتُهُ ** أعني بِهِ جامداً عَنهُ فَلا تَحِلِ
يكره شرب الماء المشمس لما اختلفوا في الكراهة هل هي ارشادية أو دينية والصحيح إنها دينية ونص الشافعي رضي الله عنه يدل على أنها ارشادية فإنه قال لا أكره المشمس وقد كرهه كاره من جهة الطب فهذه عبارة الشافعي وروى المزني أنه قال لا أكره المشمس إلا أنه يكره من جهة الطب واعترض عليه الصيدلاني بأن هذه ليست عبارة الشافعي ولو طبخ بالمشمس طعام زالت الكراهة أن كان الطعام جامدا قاله الماوردي.
فَمُ المَزادَةِ مَكروهٌ فَدِعهُ فَقَد ** يَأتيكَ مِن داخِل نَوعٌ مِنَ الدَخلِ
المزادة القربة «نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الشرب من فم السقا» لأنه قد يخرج من فم المزادة ماينغص الشرب أو يؤذي الشارب من قش ونحوه ولأنه يغير رائحة فمها ولأنه يملأ البطن ريحا كما قال ابن الجوزي في طبه قال اعني ابن الجوزي ينبغي أن لا يشرب الانسان الماء حتى ينحدر الطعام من البطن الاعلى ثم انظر ما يرويك فاشرب الطفله فذلك اصلح لبدنك وأقوى لمعدتك واهضم لطعامك فإن الاكثار من الماء ابارد يبرد ويرطب ويضعف الحرارة الغريزية والعطش يجفف الجسم ويظلم البصر
وَماءُ قَومٍ عَصَوا بِالعَقرِ رَبَهُمُوا ** َذَبوا صالِحاً بِن عَنهُ وَاعتَزِلِ
اكفَى قُدورَكَ وَاطرَح ما بِهِ عَجَنوا ** إلى النَواضِحِ وَاليحمورُ وَالجَمَل
وَبِئرُ ناقَتَهُم فيها الشِفا فَكُن ** في عُلوِها ماتِحاً أو مايح السُفُلِ
ماء آبار ثمود يكره شربه والطبخ به وكذا العجن وينبغي اراقة ما طبخ به وطرح ما عجن به إلى النواضح وهي البقر واليحمور لغة في الحمار ولاسبب فيه أنه ماء مغضوب عليه ويستثنى من ذلك بئر الناقة فلا يكره شرب مائها والماتح بالتاء المثناة فوق من ينزح الماء من أعلا البئر والمايح بالمثناة من تحت من ينزح الماء من أسفل البئر
وَقَومُ لُوطٍ لَهُم في حُكمِ مائِهِمى ** فَخَل آثارَهُم وَاقصِد إلى حَولِ
غَطا جَهَنَمَ بَحرُ المِلحِ قالَ فَلا ** يَجوزُ طَهي بِهِ باديَ السَنا عَلى
أعني بِهِ وَلَهُ الفاروقُ عَنهُ ** رَووا كذا اِبنُ عَمرو وَعَنهُ الجَمرُ
في عَذلِ ديار قوم لوط مغضوب عليها ويكره استعمال مائها وأما ماء بحر الملح فقال عبدالله بن عمر وعبد الله بن عمرو لا يجوز الطهارة بمائة لأنه غطاء لجهنم فهو مغصوب والدليل على أن جهنم تحت الملح وأنه غطاء لها قوله تعالى: «اِِغرِقوا فادخُلوا ناراً» واتفق الجمهور على جواز الطهارة به للحديث الصحيح
وَقيلَ شُربٌ فَكُل ما شِئتَ مُنبَسِطاً ** وَبَعدَ شُربٍ فَدَع لِلهَضمِ وَامتَثِل
وَفي الآَنا لا تَتَنَفَس وَاحتَرِم أبداً **نَفخُ الطَعامِ وَكُن في الحازِدا مَهلٌ
وَانظُر فَمُ الكُوزِ قَبلَ الشُربِ وَانتَحِ ** في وَفَت التَنَفُسِ وَاترُك ذي دَغَلِ
قال الغزالي في «الاحياء» إدخال الطعام على الطعام أنه يكره من جهة الطب إذا شرب على ما أكله أولا فأما قبل الشرب فله أن يأكل ما شاء ولا يضره ذلك فإن شرب فليصبر إلى هضم الطعام الأول ويكسره التنفس في الآنا ونفخ الطعام ليبرد فإذا كان الطعام حارا صبر حتى يبرد وإذا أتي بكوز فلينظر إلى حلقه قبل الشرب فقد يكون فيه شيء يؤذيه ويستحب تنحية رأسه عن الكوز عند إرادة التنفس ولا يتنفس داخل الكوز ولا ينفخ في الماء وإذا شرب فليقلل من الشرب وليشرب قليلا قليلاً قال بعضهم اتفق سبعون حكيما على أن كثرة النوم من شرب الماء.
وَلا تُكن نافِخاً لِتَسلَخَها ** فَعَن عَليَّ رَووا النَهي فامتَثِلِ
وَأن تَكُن جازِراً فامنَعهُ عادَتُهُ ** كَما نَهاه الرِضى فازجُر وَلا تَهِلِ
نقل الحليمي هذا في المنهاج عن علي رضي الله عنه أنه رأى اللحم كالطعام فكره نفخه ونهى القصابين عن نفخ الشاة قبل السلخ والجازر هو القصاب بالصاد المهملة وبالباء الموحدة في آخره
وَثُلُثُ الشُربِ أَنفاساً وَسَمِ ** عَلى كُلِ الثَلاثِ لِتحوي زاكيَ العَمَلِ
لا تَكثُرِ الشُربَ في وَسَطِ الطَعامِ سِوى ** إِن كُنتَ في غَصَةٍ فاشرِ بِهِ لِلبُلَلِ
أو كُنتَ ظَمآنَ صالِ فالتَمسهُ ** فَقَد نَصُ الأطبا عَلى نَفي بِلا عُلَلِ
وَشُربُكَ الماءُ مُصاً فِعلُهُ حَسنٌ ** داءُ الكِبادِ رَووا مِن عَلى مُنتَهِل
أداب الاكل_الشيخ محمد زغلول بن علي زغلول الأنباني
--------------------------------------------------------------------------------
موقع أم الكتاب و موقع نداء الإيمان