إذا أوتيت بطعام تكرهه فلا تعبه
وأتركه واعتذر عن أكله فما عاب رسول الله صلى الله عليه وسلم طعاما قط
وَإن شَبِعتَ فَلا تَبغي المَزيدَ فَقَد ** أَفتى بِتَحريمِهِ بادي السنا
عَلى أعني القَراقي فَخُذ ما قالَ مُعتَمِلاً ** وَكُن عَلى ثِقَةٍ مِن نَقلٍ مُحتَفِلِ
قال القراقي في «شرح التنقيح» أنه يحرم على الآكل على سماط الغير أن يزيد في الشبع بخلاف الآكل نفسه إلا أن يعلم رضا الداعي بأكل المدعو فله أن يأكل ما شاء والشبع الشرعي أن يأكل ما يقيم صلبه للكسب والعمل والشبع المعتاد أن يملأ ثلث بطنه وهو ستة أشبار كما سيأتي.
مِصرانَةَ المَرءِ قَد قاسوا وَقَد بَلغَت ** عِشرينَ شِبراً سِوى شِبرين فاحتَفِل
فَثُلُثُها سِتَةٍ بِالشِبرِ فاعنِ بِهِ ** وَخَل ثُلثا وَثُلثا قَط لا تَحِلُ
وَنَقَلَ طَرطوشِهِم هَذا القِياس فَخُذ ** إِن الَّذي قالَهُ خالٍ مِن العِلَلِ
ذكر الطرطوش في «شرح الرسالة» أن مصرانة الآدمي ثمانية عشر شبرا قال وينبغي ألا يزيد الأكل عن ثلثها وهو ستة أشبار
وَالأَكلُ أَنواعُهُ في سَبعَةٍ حُصِرَت ** في مَدخَلٍ عَدَها خُذها بِلا مَلَلِ
فأولُ واجِبٍ حِفظُ الحَياةِ فَقَط ** وَثانِها قُم بِهِ لِلفَرضِ وَاشتَغِل
وَثالِثُ سُنَةٍ أدى نوافِلُهُ ** حالَ القِيامِ فَقُم لِلفَرضِ وَالنَفلِ
وَرابِعُ شَبَعٍ في الشَرعِ قوتَهُ ** يُقيمُ صُلبَ الفَتى لِلكَسبِ وَالعَمل
وَسادِسُ جائِزٍ جاءَت كَراهَتُهُ ** وَفِعلُهُ جالِبٌ لِلنَومِ وَالثِقَلِ
وَسابِعٌ بَطنُهُ تَفضي إلى مَرضٍ ** فَالنَقلُ تَحريمُها فاحذَر مِنَ الدُغَلِ
هذه الانواع ذكر معظمها في المدخل الأول أن يأكل ما تحصل به الحياة فقط
«الثاني» أن يزيد على ذلك مقدارا تحصل له به قوة على أداء الصلوات الخمس من قيام دون النوافل وهذان واجبان مثلهما الأكل في رمضان وغيره من الصوم فيجب أن يأكل ما يقويه على الصوم.
«الثالث» أن يأكل ما تحصل له به قوة على قيام النفل وعلى صلاة النفل من قيام وهذا مستحب
«الرابع» أن يأكل ما يقيم صلبه للكسب والعمل وهذا هو الشبع الشرعي قال صلى الله عليه وسلم: «بحسب اِبنِ آدم لقيمات يقمن صلبه للكسب فإن كان لا بد فثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفسه »
«الخامس» أن يأكل إلى ثلث بطنه وقد سبق أنه ستة أشبار وهذا لا كراهة فيه
«السادس» أن يزيد على ذلك وهو مكروه وبه يحصل للانسان الثقل والنوم.
قال لقمان لابنه «يا بني إذا امتلأت المعدة نامت الفكرة وخرست الحكمة وقعدت الاعضاء عن العبادة»
وقال بعض الحكماء « من كثر أكله كثر شربه ومن كثر شربه كثر نومه ومن كثر نومه كثر لحمه ومن كثر لحمه قسا قلبه ومن قسا قلبه غرق في الآثام وهذه القسم غلبت عليه عادة الناس »
«السابع» أن يأكل زيادة على ذلك إلى أن يتضرر وهي البطنة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أصل كل داء البردة» سميت بردة لأنها تبرد المعدة عن هضم الطعام فيتولد من ذلك أمراض
قال ابن الحاج: وهذا القسم حرام ومن العلماء من فسر البردة بادخال الطعام على الطعام الأول قبل هضمه وسيأتي أن ذلك إنما يضر بعد الشرب أما قبل الشرب فله أن يدخل ما شاء على ما شاء.
في حَد جوعِ الفَتى قولان قيلَ بأَنّ ** يَشهَى لَهُ الأَكلُ مُختَلِطُ لَدى الأَكلِ
وَقيلَ إِن وَقَعت في الأَرضِ رِيقَتُهُ ** شَمَّ الذُبابُ وَشَدَّ السَيرُ في عَجَل
حد الشبع قد تقدم
وأما الجوع فحكى الغزالي فيه قولان في الإحياء
«أحدهما » أن يشتهي الخبز وحده فإن أتى بالخبز وطلب معه الأدم فغير جوعان
«الثاني » أن ينتهي به الجوع إلى حد لو وقعت ريقته على الأرض لم يقع الذباب عليها لخلوها من آثار دسومات الطعام وقوله يشهي هو بغير تاء ويشتهي لغتان قال الشاعر:
وَلَحمُ الخَروفِ نَضيجاً ** وَقَد أوتَيتَ بِهِ فاتِراً في الشَبَمِ
فأَما البَهيضُ وَحنيانَكُم ** فَأَصبحَت مِنها كَثيرَ السَقَمِ
والشبم البارد والبهيض بالباء والضاد المعجمة الارز باللبن انشد هذه الأبيات مع أبيات بعدها الحافظ والله سبحانه وتعالى أعلم
وَإن طَعِمَت فَأسير مِن طَعامِهِم ** وَمِن شَرابِكَ لَيسَ الَعلُ كالنَهلِ
يَنبَغي لِلآكلِ عِندَ غَيرِهِ أَن يَتركَ ** من الطعام بقية وكذا من الشراب
لئلا تخجل أصحاب الطعام ولأن أكل جميع الطعام وشرب جميع الماء من اللوم.
وَلا تَكُن نَهِماً في الأَكلِ وَاقتَصَد ** وَانفي عَنِ العَرضِ وَصف الجوعِ وَالبُخلِ
إِن الرَغيبَ مَشؤمٌ في الأَنامِ فَكُن ** زَهيدَ أكلٍ تَرى في الناسِ ذا نِحَلِ
أداب الاكل_الشيخ محمد زغلول بن علي زغلول الأنباني
--------------------------------------------------------------------------------
موقع أم الكتاب و موقع نداء الإيمان